الأحد، 2 أكتوبر 2011

توبة ملحد لا ديني : على الطريق !

بقلم : أبو حب الله (منتدى التوحيد) ..
---- 

إن مِن أعجب ما في شخصيات أهل الباطل مِن الأديان والفرق
المُخالفة للإسلام وأهل السُـنة والجماعة :
هو أنهم كثيرا ًما يمرون على (كلمات ٍ) في جدالاتهم وحواراتهم :
يُجردونها تماما ًمِن كل معانيها العاطفية والقلبية والشعورية !!..
مثل الموت والحياة والحب وسائر العواطف الإنسانية الأخرى ..
----

توبة ملحد لا ديني : على الطريق !!!...

(بعض أحداث هذه القصة : وقعت بالفعل) ...

1))

التفت (أكرم) إلى آخر مشاركاته على النت في كمبيوتر العمل :
وهو يُداري ما يظهر على الشاشة من أعين زملائه الثلاثة في
الغرفة .. ثم لم يتمالك نفسه مِن الضحك للمرة الثالثة !!..

فكلما قرأ الكلام الذي كتبه لتعجيز مُحاوره في القسم الديني مِن
المنتدى
: لم يستطع إلا الضحك !!!!...
حيث كتب له في آخر مشاركاته كلاما ً: هو نفسه (أي أكرم) :
لا يفهم معناه !!!.. فكيف الحال مع مُحاوره إذا ً؟!!!!...
ولذلك :
فقد أعلن مُحاوره عن يأسه أخيرا ًمع (أكرم) قائلا ًله :
" خلااااص يا أنتي إسلام (وهو الاسم الرمزي الخاص بأكرم في
المنتدى
) : حرّمت أتكلم معاك تاني بعد كده !!!!....
عارف ليه ؟.. لأنك عايز تجادل وخلاص : ومش عايز الحق !!!..
خلاااااص يا سيدي : عايز تؤمن بربنا : خير وبركة !!......
مش عايز : إنت حر .. ويا ريت ينقفل الموضوع على كده
" !
-----
دق جرس هاتف العمل بجوار (أكرم) : فرفع السماعة : ثم دارت
المحادثة التالية بينه وبين (....) :
(....) .. إزيك يا (زيكو) !!..
(....) .. آه : شفت إزاي أفحمته !!.. طبعا ًيا بني !!!..
دكتوررراه !!..
(....) .. طبعا ًهاتكون حفلة النهاردة في المنتدى .. ده لو ما قفلوش
الموضوع طبعا ًعلى كده !!!...
(....) .. وأنا كمان .. حاسس إنهم هايقفلوه : على الأقل عشان
ما يقروش تعليقاتنا الليلة !!!...
(....) .. لا .. أنا بعد الشغل هاروح أودي العربية تتصلح :
وإذا كان الميكانيكي هايخلصها بالليل : يمكن ما خشش المنتدى
إلا الساعة 11 أو 12 ...
(....) .. طبعا ًهاستناك .... وأغلق (أكرم) السماعة ....
-----
لم يبق على انتهاء العمل إلا دقائق .. مال فيها (أكرم) بمقعده إلى
الخلف نشوان : وكأنه يشم هواء النصر مِن جديد !!!.....
كم ينتشي صدره بمثل هذه العبارات التي تصدر عن مُحاوريه
في نهاية المطاف : وتحمل معاني اليأس منه !!!...
إنها تثير في قلبه شعورا ًيكفيه (إلى الآن على الأقل) : لإثبات أنه
على الحق : أو على أقل تقدير : أنه ليس على الباطل !!!!...
------
لم يخسر (أكرم) حوارا ًواحدا ًمنذ ما يزيد على الثلاث سنوات !
حتى صار اسمه (أنتي إسلام) في أكثر مِن منتدى : علما ًعلى
الإلحاد الصلف واللا أدرية المُـتعمدة !!!!......
تلاعبه بالألفاظ والمعاني والمفاهيم والمصطلحات الفلسفية التي
لا يُعلم معناها غالبا ً: كان له أكبر الأثر في النجاة مِن أي هزيمة !
------
" يا بني كفاية نت بقا : وشوف شغلك " !!!...
صاح (حازم) بهذه العبارة في وجه زميله (أكرم) مازحا ً...........
ثم اقترب بمقعده مِن مقعد (أكرم) قائلا ًله :
" ما هو لو كنت بتخاف ربنا وحسابه ليك في يوم القيامة : كنت
اتقيت ربنا في عملك وفي كمبيوتر الشغل
" !!..
التفت (أكرم) لزميله في العمل (حازم) قائلا ًفي بسمة باردة :
" قلت لك مائة مرة : ما فيش علاقة بين الدين : وبين الأمانة في
العمل !!.. ما عندك الناس برّه أهيه : بتشتغل وبتنتج : أحسن
منا مليون مرة !.. وكلهم كفره أو ملحدين زي ما بتقولوا
" ؟!..
فضحك (حازم) بدوره قائلا ً:
" يا كداااااب !!.. إنت عارف زيي إنهم بيشوفوا شغلهم بس :
عشان خايفين مِن العقاب والخصم !!.. يعني مش أمانة زي ما
بتقول !.. معظمهم بره كده وأنا وأنت عارفين !.. قليل فيهم اللي
عنده أخلاق ! ولو كاميرات المراقبة عندهم اتعطلت في الشغل ولا
حتى في هايبر ماركت : شوف معظمهم هايعمل أيه !!... طب
وهانروح بعيد ليه !!.. ما أنت أهوه !!.. عامللي فيها شجاع قوي :
وبمجرد ما بييجي المدير : بتخفيلي النت علطول واللا تقفله :
وتعمل قدامه إنك بتشتغل يا ضلالي يا جبان
" !!...
ضحك (أيمن) و(سعيد) مِن كلمات (حازم) .....................
وقبل أن يهم (أكرم) بالرد : سمع الجميع صافرة انتهاء موعد
العمل أخيرا ً....................
---------------
2))

صافح (أكرم) زملاءه في الغرفة (أيمن) و(سعيد) و(حازم)
وهو يتجه مُسرعا ًإلى سيارته .....
ولم يلتفت كالعادة إلى تعمدهم إغاظته بعباراتٍ مثل :
" مش هاتصلي معانا العصر الأول : قبل أما تروح " ؟!!!...
" يا شيخ أكرم : تعالى صلي بينا إمام " !!!!!.... إلخ .....

حيث أنه كان معروفا ًوسط زملائه في العمل للأسف : بعدائه
للصلاة
بل : ولشرائع وشعائر الدين عموما ً!!!!!....
ولكنهم لم يعرفوا أبدا ًعن إلحاده وصولاته وجولاته على النت !..
----
كان الطريق خاليا ًإلى حدٍ ما على غير العادة في مثل ذلك
الوقت مِن اليوم !!.. مما أعطى الفرصة لـ (أكرم) في أن
يُفكر قليلا ً: ويسرح للحظاتٍ بتفكيره إلى الماضي !!..
لا يعرف (أكرم) : لماذا تتقافز ذكريات صديق طفولته وشبابه
(عبد الحميد) بالذات : في عقله كثيرا ًمؤخرا ً!!!...
وخصوصا ً:
تلك العبارة التي لا تريد أن تنمحي من عقل (أكرم) : حتى
بعد أكثر من ثماني سنوات : لم ير فيها (عبد الحميد) إلى
هذه اللحظة !!!!...
-----
فبعيدا ًبعيدا ًعند هذه الثمان سنوات : كان قد انتشر بين
زملاء الجامعة وقتها : برنامجا ًكمبيوتريا ًطريفا ً: يدّعي إمكانية
الكشف على نوع الشخصية : مِن خلال بعض الأسئلة البسيطة !...
فكانوا يتسابقون على المشاركة فيه : في جو ٍمفعم ٍبالدعابة والمرح
واللهو كالعادة .. ولكنه وحده (أكرم) : لاحظ شيئا ًعجيبا ً!!......
-----
لقد كان هناك سؤال ٌيقول :
" هل تشعر دوما ًأنه هناك ما ينقصك : ولا تعرف ما هو " ؟
-----
فأما الغريب والعجيب : هو أن الخمسة أصدقاء لـ (أكرم) ساعتها
(ومنهم ثلاثة نصارى) : قد أجابوا كلهم بـ : نعم !!!!...
الخمسة أجابوا بـ (نعم) : وسادسهم (أكرم) نفسه !!!!!!....
وأما الوحيد الذي أجاب بـ (لا) : فقد كان (عبد الحميد) !!!!....
ذلك الشاب الأكثر هدوءا ًواتزانا ًوالتزاما ًبالدين وشعائره !!!!...
وعندما سأله (أكرم) عن السر في ذلك منذ الثمان سنوات :
أجابه (عبد الحميد) بإجابة واحدة : هي التي باتت تتكرر كثيرا ً
في عقل (أكرم) في الأونة الأخيرة !!!.... حيث قال له :

" كلكم يا صاحبي للأسف : تفقدون الشعور بـ (معية) الله تعالى !
النصارى : لكفرهم به أصلا ً!.. وأما أنتم :
فلمعصيتكم له ! ولتجرأكم على محارمه ! ولعدم استحياؤكم منه !
فكيف تريدون أن تستقم لكم نفوسكم بالراحة ؟!.................
فصدقني يا
(أكرم) :
مَن وجد الله : فماذا فقد ؟!!!.. ومَن فقد الله : فماذا وجد
" ؟!!!
---------
ظلت تلك العبارة الأخيرة تتردد في عقل (أكرم) :
" مَن وجد الله : فماذا فقد ؟!!.. ومَن فقد الله : فماذا وجد " ؟!!
ولم يقطع ذلك التردد إلا وصوله إلى ورشة الميكانيكي : ليترك
سيارته عنده للتصليح !!....
------------------
3))

وبعد أن ترك (أكرم) سيارته : كان عليه أن يستقل ميكروباصا ً
إلى بيته .. وبالفعل : تمشى حتى وصل إلى الموقف .. فوجد
ميكروباصا ً: وفيه مكانين فقط متبقيين .. فتهلل وجهه لهذا الحظ
الطيب : والذي يُعطيه دوما ًشعورا ًقويا ًبأن .. بأن : المقادير معه !
أية مقادير ؟!.. لا يدري !!!.. فكل ما كان يشعر به أنه لو كان
(الله) موجودا ًفعلا ً: ما كان تركه حيا ًجزاء كل طعوناته في
الدين حتى الآن بل : وفي وجود الله نفسه (هكذا ظن) !!!.....
جلس (أكرم) في الميكروباص : وانتظر مع بقية الركاب :
الفرد الأخير : رجلا ًكان أو امرأة .....
----
ولكن : جاء رجلان !.. فلم يصعدا لأن المُراد هو : شخصٌ واحدٌ
فقط
!!.. فانتظر (أكرم) مع الميكروباص لدقائق : لم يُسمع فيها
إلا صوت ٌضعيفٌ لرجل ٍطاعن ٍفي السن ذو لحية بيضاء : يتلو
بعض آيات القرآن
!!.. إلى أن جاء شابان أيضا ً!.. فلم يصعدا !..
فازدادت دقائق الانتظار : حتى جاء : شابٌ وفتاة !!!.. وأخيرا ً:
امرأة ٌوابنها !!!...
وكل أولئك لم يصعدوا : لأن المُراد هو : فرد ٌواحد ٌفقط !!!...
وبعد أن مضت المرأة وابنها .. عادت لتستعطف أحد الركاب
أن يتنازل لها وابنها عن مقعده : لأنها وابنها في عجلةٍ مِن
أمرهما
: فهناك (ميعاد ٌ) هامٌ جدا ً: يجب اللحاق به !!..
-----
لم يبد ُعلى أحد الراكبين أن كلام المرأة قد أثر فيه !.. وربما
لأن معظم الراكبين أصلا ً: كانوا أزواجا ً!!!.... وأما الرجل
الطاعن في السن : فلم يبد ُأصلا ًأنه قد سمعها !!!.. وهنا :
قرر (أكرم) أن يتنازل هو عن مقعده في الميكروباص للمرأة
وابنها
.. وهو يقول في نفسه :
" هذا : ليعلم (حازم) أني أفعل أيضا ًالخير أحيانا ً: بلا مقابل "
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!....
-----
انطلق الميكروباص سريعا ً.. ولم يتأخر الميكروباص الثاني
الذي ركبه (أكرم) في الانطلاق هو الآخر : لوجود معظم
الركاب بالفعل (رجلين .. وشابين .. وشاب وفتاة .. وأكرم) ..
--------
مضت ثلاث دقائق في هدوءٍ تام : و(أكرم) جالسٌ يُفكر في
الميكروباص في صمت : عمّّا سيكتبه مِن تعليقاتٍ الليلة !!..
وفجأة : شق الأسماع صوت السائق يحوقل قائلا ً :
" لا حول ولا قوة إلا بالله !!.. لا حول ولا قوة إلا بالله " !!..
-----
توقف السائق بالميكروباص جانبا ً: لينظر الجميع إلى أبشع
منظر ٍ
رأته أعينهم حتى هذه اللحظة مِن حياتهم !!!..
لقد اندهس الميكروباص (نفس الذي كان سيركبه أكرم منذ
دقائق
) : اندهس وسط شاحنةٍ كبيرة ٍوأتوبيس ٍضخم !!!!....
----
لحظاتٍ وثوان ٍمرت على (أكرم) مذهولا ً: كالساعات !!!!!...
لم يستطع المسكين أن يمنع نفسه مِن النظر : برغم أنه يعرف
فظاعة ما ستقع عليه عيناه !!!.. ولكنه فعل .....
مشاهد لن تنمحي مِن عينيه قط !!!... أبدا ًما حيي !!!...
----
طفلة في حضن أمها (أو هكذا أوحت بقايا أشلائهما المتداخلة
والمُمزقة
) !!!!!....
----
وزوج ٍوزوجة ما زالت أيديهما متشابكتين : وتنتفضان لا إراديا ً:
برغم موتهما !!!!!!!!!!!!!....
-----
وأما هذان .. فهما الأم وابنها اللذان كانا بالفعل على (موعدٍ) :
يجب اللحاق به تماما ًكما قالت الأم !!!!... وصدقت !!!!...
----
وأما الرجل الطاعن في السن : فأبرز ما لفت فيه النظر : هو
بقاء سبابته حتى بعد موته : في وضع التشهد المعروف !!!...
----
وقبل أن يظن (أكرم) أن هذا التشهد : كان خاصا ًبهذا الرجل
ذي اللحية قاريء القرآن : فقد وجد رجلا ًآخرا ًوقد التف حوله
الناس يُخلصون جسده مِن بين المقاعد وجسد السيارة المنطبق :
وجده والناس يُكلمونه ويسألونه عن حاله وبماذا يشعر : وهو
لا ينطق إلا بالشهادة !!.. مهما يُكلمونه : لا ينطق إلا بالشهادة !
إلى أن فاضت روحه إلى بارئها جل وعلا !!!..
---------
نصف الساعة كاملة ًمضت : وحشود الناس تتزايد وتتزايد
على الحادث البشع !!.. والأصوات تختلط وتعلو أكثر وأكثر !
هرجٌ ومرجٌ !.. وصياحٌ وصخب !..
فأما السائق : فقد راح في هستريا بكاءٍ على صديقه الذي :
رأى جسده مُمزقا ًأمامه : وهو الذي كان يُضاحكه منذ حين !!...
مما دفع أحد سائقي أوتوبيسات النقل العام : أن يعرض على
ركاب ميكروباص (أكرم) : أن يُـكمل معهم الطريق .. فوافقوا ...
-----
قام ركاب الأوتوبيس ليُجلسوا ركاب الميكروباص : تعاطفا ً
مع ما بدا عليهم واضحا ًمِن مظاهر الصدمة والذهول
!!!...
مشاعر متضاربة : تلك التي عصفت بقلب (أكرم) و(عقله) إذا
جاز التعبير !!!.. لقد شعر أن شعر جسده بأكمله منتصبا ً!.. بل :
ويكاد يُجزم بأن عشرات الشعر مِن رأسه : قد شابت في هذه
النصف الساعة فقط
: لو أنه نظر في المرآة !!!...
وأما قدماه بالفعل : فلم تتوقفا عن الارتعاد اللا إرادي : إلى أن
جلس !!!...
-----
وبرغم أن الشحوب كان يُميز راكبي الميكروباص مِن وسط
باقي راكبي الأوتوبيس : إلا أن وجه (أكرم) : كان أكثرهم
شحوبا ًبلا مُـنازع !!!!...
ربما لأنه الوحيد الذي : كان راكبا ًبالفعل في الميكروباص
الذي اندهس
: قبل انطلاقه : وحتى آخر لحظة عندما نزل !..
-------
وفي هذه اللحظة :
انتفض جسد (أكرم) فجأة في جلوسه : عندما وضع أحد ركاب
الميكروباص الذي كان راكبا ًمعه يده على كتفه مِن خلفه قائلا ًله :
" إنت يا بني : انكتب لك عمر جديد انهارده !!................
يا رب يكون عمرك الباقي : يستاهل ثمن حياتك الباقية
" !!!!!...
-----
انتهت كلمات الرجل .. والذي أراد أن يُعطي لـ (أكرم) حكمة ً
إيمانية (أجراها الله على لسانه) : لتتناسب مع الموقف :
فما درى أنه فتح بها : ألف باب ٍوباب ٍفي عقل هذا المسكين !!...
--------------
4))

لا يتذكر (أكرم) على وجه التحديد : تفاصيل عودته لبيته في
ذلك اليوم !!!!..........
كل ما ذكره : أنه سمع كلمات آذان المغرب قوية ً: في عقله قبل
أ ُذنه
!!.. ربما قبل أو أثناء دخوله للمنزل !!!..
فلأول مرةٍ في حياته : تخترق كلمات الآذان جسده كله هكذا !!...
----
وأما زوجته وابنه الصغير : فربما قسا عليهما في الكلام !!....
أو ربما حتى ضربهما : لا يذكر تحديدا ً!!!.. فكل ما يذكره هو
أنه أخذ ثلاثة أرغفة خبز ٍناشفةٍ (طعامه المفضل) : ليدخل بهم
في حجرة مكتبه : ويُغلق على نفسه الباب : ويستلقي راقدا ًعلى
الأريكة الوثيرة فيها ليتفكر !!!!...
----
لقد علم (أكرم) أنه لن يأتيه النوم الليلة أبدا ً!!.. هو يعرف أن
عقله لن يتوقف عن التفكير للحظة ليدع جسده ينال قسطا ًمِن
الراحة بعد كل هذا التعب والانفعال !!.. ولذلك : فقد حسم
أمره مبكرا ً: بدلا ًمن المُكابرة ومحاولة النوم بجوار زوجته
مستيقظا ًطوال الليل !!!!!..
----
زفر زفرة ًمِن أعماق قلبه وهو يُحدث نفسه في صمتٍ قائلا ً:
" يااااااااااااااااااااااااه !!.. أهكذا رخيصة هي الحياة " ؟!!!!!!!!...
----
لقد رأى بشرا ًمنذ ساعات : تنتهي حياتهم في لحظة !!!!.....
----
أين ضحكهم ؟!.. أين كلامهم ؟!!.. أين آمالهم وأحلامهم التي
انبترت فجأة عن هذه الدنيا ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!....
أين ذهبت خطواتهم في حياتهم ؟!.. أين ذهب عملهم ودراستهم
وخبراتهم
؟!!!....
أين ذهبت علاقاتهم بأحبابهم ؟!!.. أبا ًأو أما ًأو ابنا ًأو بنتا ًأو
أخا ًأو أختا ً؟!!!!....
أين الإجابة ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!....
أو بالأصح : عند مَن الإجابة ؟!!!!!!!!!!!!!!!!....
------
ثم تحول الحديث عن نفسه قائلا ً:
هل يُمكن أن تنتهي حياتي أيضا ًهكذا في لحظة غير متوقعة ؟!!!!...
(وقد كادت بالفعل) !!... هل يُمكن ألا أرى زوجتي وابني مرة ً
أخرى فجأة
: وإلى ما لا نهاية ؟!!!!!.... بل : وماذا سيحدث لي
بعدها
؟!!!... وإلى أين سأذهب ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!....
----
هل أنا عارضٌ بالفعل في هذا الكون المادي : لن أ ُزيده ولن أ ُنقص
مِنه شيئا ً
: بتواجدي فيه : أو بغيابي عنه ؟!!!!...
أين أبي الذي مات منذ خمسة عشر عاما ً؟!!!.. لقد كانت موتته :
على فراشه لحُسن حظه : وليست كهذه التي رأيتها اليوم !.. ولكن :
لماذا شعرت دوما ًوهو يحتضر أمامي : أني سأراه مرة ًأخرى ؟!
لماذا هذا الشعور راسخ ٌفي نفسي مِن ساعتها وحتى الآن ؟!!..
فأين يا ترى سأراه مرة ًأخرى ؟!!!... وأين جدي وأين جدتي ؟!!..
ياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه ...
لماذا لا ننسى بسهولة كل مَن ماتوا مِنا ؟!!!!!!....
لماذا لا ننساهم لأننا : لن نراهم حتما ًلو كانت الحياة فقط : هي هذه
الدنيا
: ولا حياة أخرى بعد الموت ؟!!!..
لماذا لا ننساهم كما ننسى نملة ًأو صرصورا ًدهسته أقدامنا : فقضت
على حياته في لحظةٍ ومضى ذكره ؟!!!!...
-----
وهنا .. شعر (أكرم) بشيءٍ باردٍ على كف يده اليُمنى .. فنظر : فإذا
بها نقطة ماءٍ كبيرة مفترشة على ظهر يده !.. عجبا ً!.. فنظر (أكرم)
للسقف بتلقائية .. ثم لما بدا له السقف سليما ً: أيقن ساعتها أن نقطة
الماء هذه : ما هي إلا دمعة بكاء !!!!....
-----
بكاء ؟!!!!!... نعم (بكاء) !!!!........ فتعجب (أكرم) قائلا ًلنفسه :
ما هذا ؟!!!... أنا أبكي ؟!!.. وأنا الذي توقفت عن البكاء منذ لحظة
خروج أبي في نعشه مِن البيت !!!!....
طوال خمسة عشر عاما ً: لا أتذكر أني ذرفت فيها دمعة !!!!!!.....
نعم : هناك بعض المواقف التي اقتربت فيها مِن البكاء ولكني : لم
أستطع !!!.. شيءٌ ما بداخلي كان يمنعني !!!.. لماذا ؟!.. لا أعرف !
ربما لأن البكاء : ليس له تعريفٌ واضح ٌفي قاموس إلحادي الفكري
الذي بنيته مع الأيام
؟!!!.. ربما لتحجر قلبي ؟!..
لا أدري !!!...
-----
اعتدل (أكرم) مِن نومته على الأريكة الوثيرة : ليجلس قليلا ًزيادة ً
في التركيز قائلا ً: ما هذا البكاء الإنساني ؟!!!.. ولما ؟!!!...
بل : وما كل تلك المشاعر الإنسانية التي كنت مُتعاميا ًعن الالتفات
إليها حتى اليوم
؟!!!!!...
الشفقة .. الحزن .. الحب .. الألم .. الخوف .. الأمومة .. ما كل هذا ؟!..
بل : ولماذا أخشى الموت لهذه الدرجة : إذا كنت فعلا ًمؤمنا ًبأنه لا
حياة بعد الحياة
؟!!!.. فما الذي يضيرني ساعتها : أن أموت على
فراشي الآن مريضا ً: أو في حادثٍ بشع ٍعلى الطريق ؟!!!!..
ألست في كل الأحوال : سأختفي مِن قاموس هذه الحياة التي لا
معنى لها ولا هدف
؟!!!..
لماذا اليوم بالذات : شعرت بمحبتي الجارفة لزوجتي وابني ؟!!!!..
لماذا كل ما تخيلت أني سأبتعد عنهما بعد اليوم : جاش صدري
بالهموم والأحزان
؟!!!!!!!!...
ما الذي يربطني بهذه الكائنات الفانية الحادثة في هذا الكون (صدفة ً)
مثلي ؟!!!!.. وهنا :
لم يستطع (أكرم) في هذه اللحظة أن يمنع نفسه مِن الانفجار باكيا ً:
تأثرا ًبكل تلك العواطف التي وجد لها حياة ًفي قلبه لأول مرة !!..
----------------
5))

وفجأة : ارتج كيان (أكرم) للمرة الثانية : أو ربما الثالثة أو الرابعة
في ساعات معدودات اليوم : كما لم يحدث مِن قبل !!.. وذلك لما :
اخترق سكون الحجرة عليه صوت أذان صلاة العشاء !!!!!!!!!..
-----
لقد كان (أكرم) في هذه اللحظات العصيبات : غارقا ًفي كم ٍهائل ٍ
مِن الأسئلة
:
ما الذي ؟.. كيف ؟.. لماذا ؟....... إلخ ..
ولذلك : فسرعان ما رأى في نداء الآذان بداية ًبـ (الله أكبرالله أكبر) :
إشارة ًلإجابة كل هذه التساؤلات التي عصفت بعقله حتى الآن !..
----
" مَن وجد الله : فماذا فقد ؟!!.. ومَن فقد الله : فماذا وجد " ؟!!
-----
نعم .. نعم .. لا بد أن أ ُركز في كلمات هذا الآذان !!.. لقد صار
لكل كلمةٍ تتعلق بالله الآن يسمعها (أكرم) : وقعا ًفي قلبه بل : في
جسده كله : ولها ينتبه وينتفض !!!!...
---
((( الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر )))
نعم .. الله أكبر مِن كل تفكير فكرته فيه !!.. الله أكبر مِن كل تشبيهٍ
شبهته له
: فضلّ به عقلي القاصر : وغاص بي في بحار الإلحاد
واللا دينية والفلسفة المتلاطمة
!!!!..
---
((( أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن لا إله إلا الله )))
نعم .. أشهد أن لا إله بحق : إلا الله خالق هذا الكون !!.. خالق أبي
وأمي وخالقي
!!.. أشهد أن لا إله بحق : إلا الله الذي لم يخلقني
هملا ًولا عبثا ً
!!.. أشهد أن لا إله بحق : إلا الله الذي سيُجازي
الكافر على كفره
: والملحد على إلحاده : والمؤمن على إيمانه !!..
نعم .. أشهد أن لا إله بحق : إلا الله الذي ما أراد بخلقه لنا : إلا أن
نعبده طوعا ًلا كرها ً!!.. اختيارا ًلا جبرا ً!!.. فأي عيب ٍفي ذلك ؟
وهل رأيت يا (أكرم) أحدا ًيُجبرك على كفر ٍأو إيمان ؟!!..---
((( أشهد أن محمدا ًرسول الله .. أشهد أن محمدا ًرسول الله )))
نعم .. هو رسول الله الذي أرسله إلينا ليُصحح الأفهام !!.. هو
رسول الله الذي أرسله لنا قدوة ًفي الإسلام والإيمان والإحسان !!..
نعم .. هو رسول الله الرفيق الرؤوف الرحيم بنا : الناصح الأمين
علينا
.. الذي رأى ما لم نره .. وعلم ما لم نعلمه !!!..
هو الطريق الوحيد الذي دلنا الله به على مراده منا ................
---
((( حيَ على الصلاة .. حيَ على الصلاة )))
نعم .. هيا على الصلاة .. هيا على الصلاة .. لكم وددت أن
يُنادي المؤذن بـ (هيا) بدلا ًمِن (حيَ) : فلربما كنت أدركت معناها
بمشاعري المتبلدة منذ زمن !!!.. نعم .. هيا على الصلاة أيها
الإنسان الكسول !!.. هيا على الصلاة أيها العجول الأكول !!.. هيا
على عبادة ربك التي افترضها عليك : من أجلك انت وليست له !
إذ : هل ينساه أناسٌ إذا ما صلوها خمس مراتٍ في اليوم والليلة ؟!..
هل سينسون ربهم بعدها : أو هل سينساهم ربهم بعدها ؟!!!......
" مَن وجد الله : فماذا فقد ؟!!.. ومَن فقد الله : فماذا وجد " ؟!!
---
((( حيَ على الفلاح .. حيَ على الفلاح )))
نعم والله .. هذا هو الفلاح : فهيا عليه يا راجي النجاة !!!!!!...
هيا إلى الصلاة يا راجي الفلاح !!!.. هذا والله هو الفلاح !!!!..
هذا والله هو ما فهمه ذلك الرجل الطاعن في العُمر ذو اللحية
البيضاء
!!!.. هذا والله ما فهمه ذلك الرجل الذي تمزق جسده
بين مقاعد وجسد السيارة المنطبق عليه
: فلم يُنسه ذلك الشهادة !
فوالله : لو لم يكونا من المُصلين المُتصلين بربهم على الدوام :
فما الذي جعلهما يُفكران في الشهادة في لحظات الموت ؟!!!!..
هذه والله هي العقول !!.. هذه والله هي العقول التي أقبلت على
الفلاح
: قبل أن تسمع وتفهم أنت يا (أكرم) نداء الفلاح !!!!..
---
((( الله أكبر .. الله أكبر )))
وهنا : اعتدل (أكرم) في جلسته على الأريكة وهو يقول مع المؤذن
وفي نفس الوقت :
((( لا إله إلا الله )))
-----------
وما إن قالها (أكرم) : إلا وعشرات الأفكار تزاحمت بأعناقها
لتخترق باب عقله مِن جديد !.. ولكنه : سارع وأغلق دونها الباب !..
نعم : فإن وراء 99 % منها : (إبليس) اللعين ولا شك !!!!.....
أي والله .....
هو الذي طالما أغواني وزين لي جحودي وكفراني !!!!!!!.......
فالليلة بإذن الله : سأ ُغلق الباب دونك أيها اللعين !.. ولتذهب بأفكارك
ووساوسك إلى الجحيم
!!!!!...
اللهم إني أعوذ بك منه !!.. اللهم إني أعوذ بك منه !!...
اللهم لا تخيب رجائي وأنا العائد الأيب إليك لأول مرة منذ عهود !!..
----
بالفعل : كان الشيطان يستجمع عشرات الشبهات ليدسها دسا ًعلى
أعتاب عقل (أكرم) : لتدخل إليه في تلك اللحظة بالذات !!!!...
عشرات الشبهات من كل لون ٍونوع : عسى أن يُعجب أحدها
(أكرم) مِن جديد كما سبق : فيقع أسيرا ًلها !!!!...
لدرجة أنه عرض عليه عقيدة (تناسخ الأرواح) : لما أحس أن التفكير
في (موت نفسه وأحبابه) هكذا أرقه : وكان سببا ًرئيسيا ًفي يقظته !!..
ولكن هيهات هيهات ....
فلقد كانت صحوة ً: غسلت عن عقل (أكرم) دنس الكفر والإلحاد :
أشد ما فعل الماء بجسده في الدقائق التالية حين دخل ليغتسل !!!..
----
كانت الزوجة والولد ينظران لـ (أكرم) : وهما يعتقدان أنه قد أ ُصيب
في عقله بجنون !!!!...
فـ (أكرم) الذي لم يرياه يبكي قط : تنساب دموعه على وجنتيه بلا
توقف !!.. وبين اللحظة والأخرى : يسمعون منه كلاما ًغير مفهوم
المعاني : اللهم إلا لفظ (الله) الذي يبدو من وسط دندنته واضحا ً!!..
فلم يتعرض أحدهما له بكلمة !!..
لا حين خروجه مهرولا ًمن حجرة مكتبه إلى الحمام !.. ولا حين
خروجه مسرعا ًمِن الحمام لغرفة نومه ليرتدي ملابسه !.. ولا حين
اقترابه من باب الشقة !!!...
حيث فجأة .. وقبل أن يفتح الباب خارجا ً: التفت إليهما : ثم توجه
نحوهما في حنان ٍوعطف ودموعه ما زالت تنساب على وجنتيه
قائلا ً: أ ُحبكما .. أ ُحبكما !!!!!...
فاحتضنهما بشدة .... ثم خرج !!!!!!!!!!!!!!!!....
وتركهما خلفه يبكيان : له !.. وعليه ! ولم يعلما بعد ما حدث !!!!..
-----
إن مما كان يسمعه مِن قبل : أن مَن صلى العشاء في جماعة :
فكأنما قام نصف الليل !!.. وأنه مَن صلى الفجر في جماعة : فكأنما
أقام الليل كله ! فكان غاية ما رجاه (أكرم) مِن ربه في تلك اللحظات :
هو ألا يُميته الله تعالى قبل أن يُكرمه بصلاة العشاء والفجر الليلة
في جماعة
: فيكون قد صلى لله تعالى ولو قيام ليلة ونصف في حياته !
------------------
6))

وفي المسجد : كان جسد (أكرم) كله ينتفض كعصفور ٍتحت
المطر !.. تفكيره في احتمالية موته فجأة : صار مسيطرا ًعلى
عقله بلا حدود !!!.. حتى استشعر أن كل نفس ٍيتنفسه : لا :
بل كل ثانيةٍ تمر عليه : هي نعمةٍ كبرى مِن الله تعالى : أنه قد وهبها
له ولم يُمته حتى الآن !!!!!....
إذ كيف به لو كان مات منذ ساعات على ما كان عليه من الإلحاد ؟!..
-----
" إنت يا بني : انكتب لك عمر جديد انهارده !!................
يا رب يكون عمرك الباقي : يستاهل ثمن حياتك الباقية
" !!!!!...
----
حاول جاهدا ًأن يُخفي بكاءه في الصلاة : لا لشيء : إلا مراعاة ً
للمصلين مِن حوله
!!!.. ولكنه برغم ذلك : لم يستطع أن يوقف
اضطراب صدره بالبكاء ونشيجه !.. ودموع عينيه التي صارت
تهطل بغزارة : عند سماع القرآن !!!!... أي قرآن !!!!....
حتى ولو : " الحمد لله رب العالمين " !!!!......
لقد تحول قلبه في ساعات : مِن قلب ٍأغلفٍ بالكفر والإلحاد :
يهيم في الدنيا كالأنعام السائبة في المرعى بلا هدف :
إلى قلب ٍمُليء لأكمله بالإيمان : حتى فاض بكاءً مِن عينيه !!!...
بل لقد صار قلبه : أشبه ما يكون بالإسفنجة المملوءة بالدموع !
ما إن تمسها آية ٌمِن كتاب الله عز وجل (مِن أي نوع) : حتى
تجد المعاني تضغط على ذلك القلب : فيسيل دموعا ًفي كل
الاتجاهات !!!!.... وذلك ما حدث ليلتها !!!..
-----
فما أن بدأ الإمام بقراءة الفاتحة : حتى علا بكاء (أكرم) وابتل
كف يده اليمنى مِن الدموع المتساقطة !!!!...
حتى أن المصلين بجواره : ظنوا أنه قد مات له ميت ٌ: وجثمانه
معهم في المسجد الآن : وسيُصلون عليه بعد قليل !!!!!!!!!!...
ولم يدروا أنه بالفعل :
قد مات إنسان ٌفي هذا اليوم : وولد إنسان جديد !!..-----
انتهت الصلاة : وبرغم شوق (أكرم) الكبير للجلوس في بيت ربه
وعدم الخروج منه لساعات
: إلا أنه قرر الخروج : منعا ًللحرج
الذي سيقع فيه حتما ًإذا ما خاطبه أحد الذين كانوا يُصلون معه !..
----
عاد (أكرم) إلى بيته .....
طلب برفق ٍمِن زوجته وابنه : ألا يقلقا عليه .. وأنه صار بأحسن
حال ٍالآن
!.. فأما الولد الصغير : فلم يفهم شيئا ً!.. وأما الزوجة :
فقد شعرت يقينا ًبالسبب الحقيقي مِن خلف تلك الأفعال الغريبة ..
ألا وهو : الرجوع إلى الله ...........
فلعلها تابت منذ لحظتها تلك هي الأخرى !!!!...
-------------
7))

لم يزل (أكرم) مغلقا ًلباب عقله في وجه الأفكار الإبليسية !!!..
فهو لن يتحمل أية تشتيتاتٍ الآن على الأقل !!!..
فهو لأول مرة (ومنذ سنوات طويلة) يشعر أنه أصبح على الفطرة
يحيا ويتحرك
!.. إذا ً: فلينظر : إلام ستقوده هذه الفطرة لفعله ؟!..
وعلى الفور : نظر في ساعته ...
ثم قام إلى الكمبيوتر .. وما هي إلا لحظات : حتى دخل على
موقعه الذي كان يترقب أعضاؤه تعليقاته الساخرة الليلة !!!!...
فأخذ نفسا ًعميقا ًتخلله بقايا البكاء : ثم فتح مشاركة ًجديدة ًفي
نفس الموضوع الأخير الذي انتهى الحوار فيه صباح اليوم :
ليكتب جملة ًواحدة وهي :

(( أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمدا ًرسول الله ))
ثم خرج !!!!...
-------
لساعات : ظل الأعضاء ينظرون للجملة باستعجاب واستغراب !
لدرجة أن كثيرا ًمنهم : كان يُعيد النظر في معرف ورمز (أنتي إسلام)
المرة تلو المرة : غير مصدق ٍأنه هو صاحب تلك المشاركة !!..
في حين ظن البعض الآخر أنه : ربما كان يسخر منهم ومن المتدينين
في القسم الإسلامي مِن المنتدى !!!..
ولم يكن الحال بأقل غرابة عند الملحدين أنفسهم أصدقاء (أنتي
إسلام
) !!!!...
وهكذا : توالت بضعة مشاركات مِن الفريقين (متدينين وملحدين)
كلاهما يسأل عن (أنتي إسلام) : أين ذهب ؟!.. وماذا يعني ؟!..
----
دق الولد الصغير الباب على حجرة نوم والده قائلا ً:
" عمو زيكو على التليفون " !!!..
فالتفت إليه (أكرم) وهو يرقد على السرير قائلا ً:
" قول له (أنتي إسلام) مات .. والموجود دلوقتي : ناصر الدين "
تعجب الولد مِن هذه العبارة الصعبة الفهم : ناهيك عن الحفظ !...
فأعاد (أكرم) على ابنه العبارة مرة ًأخرى ... فذهب الولد وهو
على يقين أن الغرائب الليلة : لم تنته بعد !!!!!...
-----
قام (أكرم) ووقف على باب غرفة النوم : ثم نادى على زوجته
التي تكورت على أريكة هي الأخرى باكية : ونادى على ولده
الذي كان جالسا ًبجوار الهاتف ..
وطلب منهما أن يأتيا ليناما معه في السرير !!!!!!!!!!!!!!!.....
وعلى الفور :
هرعت الزوجة والولد ليناما في أحضان (أكرم) .. في حين توسطهما
هو في حنان : ليشعر لأول مرةٍ في حياته : أنه سعيد !!!!!!...
بل :
وأنه لا ينقصه شيء !!!..أي والله ...........
ليست سعادة (ظاهر) كما كان يُمني ويخدع نفسه مِن قبل !!!...
ولكنها سعادة (باطن) : يفيح أريجها على كل جوارحه الآن !!!..
فلأول مرة في حياته يشعر (أخيرا ً) أنه : لا ينقصه شيء لا يعرفه !
وهنا : تذكر كلمة (عبد الحميد) صديق الشباب منذ ثمان سنوات :
" مَن وجد الله : فماذا فقد ؟!!.. ومَن فقد الله : فماذا وجد " ؟!!..
----
لقد قال في نفسه : ما أعجب مئات وآلاف الأشياء التي ما زالت تخفى
حقيقتها على الإنسان في هذا الكون
.. وما أعجب الله إذ لم يُطالب
عقولنا بمعرفة هذا كله
!!.. لا والله (وإلا كيف عاش ومات ملايين
البشر مِن قبل : وما كانوا يجهلونه في الكون : أضعاف أضعاف ما
نجهله نحن الآن
) .. ولكنه (أي الله عز وجل) :
طلب من عقولنا فقط : الوقوف على الشيء الوحيد الذي لا يختلف فيه
تفكير عاقل
!!!.. ألا وهو :
وجود : إله : واحد : مُبدع : لكل هذا الكون مِن حولنا !.. بما فيه
نحن !!.. كل شيء غاية في الكمال والنظام والتقدير الحكيم !!..
فأي شكٍ في وجوده بعد ذلك ؟!!!...
أيُ شكِ والصدفة العمياء (إن وُجدت) : ما زالت تلقي لنا بالبشر
الجديد في كل لحظة ميلاد
: فنفرح به ونهش له !!!!....
أي صدفة هذه المنتظمة كل هذا الانتظام ؟!!!.. وعلامَ ؟!!!!.....
إذا ً:
فهل طلب الله مِن عقولنا الكثير ؟!!!!...
هل الاعتراف بالحقيقة المطلقة يعد شيئا ً: مقارنة ًبآلاف المجاهيل ؟!
إذا ً:
لماذا لا تطع يا (أكرم) هذا الإله فيما أمرك به عن طريق رسله :
فتفوز برضوانه وتتحقق محبتك له وهو الذي خلقك ؟!!..
----
شعر (أكرم) أخيرا ًبالسعادة : والتي فاضت راحة ًوأمنا ًعلى
نفسه فطمأنتها !!.. بل وامتدت فيما يبدو إلى زوجته التي ازدادت
تعلقا ًبه
!!!!....
حيث عاهد الله عز وجل لحظتها : أن يعمل جاهدا ًعلى تدارك ما
فات وفرط في
: نفسه .. وفي زوجته .. وفي ولده وأهله وعمله :
ليكون عمره الباقي بالفعل :
" يستاهل ثمن حياته الباقية " !!!!!...

الزوار